الآثار النفسية والاجتماعية لجائحة كوفيد 19 .. بقلم د. أنوار أبو هنود

2020-05-08

 يظهر في كل عصر من عصور الإنسانية مرض مجهول يثير الرعب والقلق والخوف في نفوس البشرية، ففي العصر القديم ظهر مرض الجذام الذي يمثل تلك العلة المروعة، وفي العصور الوسطى تمثل في مرض الطاعون، ومن ثم ظهر مرض السل في أثناء النهضة الصناعية بأوروبا، وأما العصر الحديث  انتشرت فيه أمراض نقص المناعة، والاتهاب الرئوي، وأخيرا فيروس كوفيد 19 المعروف بالكورونا.

هذا المرض الذي اجتاح العالم بأسره، ولم يرحم أي فئة من الفئات العمرية، وشل جميع مجالات الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والتعليمية، والصحية، وأصبح ذلك الشبح الذي يخيف جميع المجتمعات، بمجرد النطق أو السماع بكلمة كورونا.

فردود الأفعال النفسية الأولية إزاء هذا المرض توحي بداية إلى الصدمة النفسية التي تعرض لها الناس بعدم تقبل آلاف الحالات المصابة، والإنكار للعدد المهول للوفيات الآخذ بازدياد يوميا، والفشل أمام وجود لقاح للعلاج.

إن الحجر الصحي المنزلي الوقائي  جعل من الجميع الجلوس أمام القنوات الإعلامية، وترقب ما تتداوله القنوات الفضائية حول تسارع انتشار الجائحة والدعايات الإعلامية، والشائعات السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كل ذلك أثر سلبا على نفسية البشر، مما سيكون أي الخوف من المجهول وعدم السيطرة على الفيروس. 

كما ظهرت أعراض الهلع النفسي على البعض فانشغل الناس باستخدام المنظفات والمعقمات، وخاصة ربات البيوت إلى درجة احتمالية الإصابة باضطراب الوسواس القهري، حيث فكرة التنظيف تلازمهن وتحتل جزءا من وعيهن وشعورهن بشكل قهري، وتسبب ذلك في التعب والارهاق الشديد النفسي والجسدي لهن ولمن حولهن، وحدوث اضطرابات في الوظائف المعرفية كالنسيان وعدم التركيز، بالإضافة أن هذا السلوك القهري انعكس على الأطفال الصغار، فإذا سألت طفلا في الثالثة من عمره لماذا تستخدم هذا السائل؟ فسيجيبك "أعقم يدي، كورونا"، فالأطفال يتعلمون من أوليائهم سلوكياتهم الايجابية والسلبية بأسلوب النمذجة.

وفي ظل انتشار جائحة كوفيد 19 من الطبيعي أن يفكر الإنسان أن هذا العالم أصبح غير آمن، وأن الموت يهدد حياته وحياة من يحب، فالألم والمرض والموت، بالإضافة إلى المشاعر والأحاسيس والتعاطف مع الآخرين، جمعيها عوامل مرتبطة ببعضها البعض تؤدي نتائجها إلى ظهور قلق الموت النفسي.

ولابد من التحدث في هذا المقال عن الحجر الصحي المنزلي الوقائي، الذي اعتبره البعض تقيد لحريتهم، وخلل في نمط حياتهم اليومي، فالبعض اعتاد على الذهاب للعمل، والآخر الذهاب إلى المدارس والجامعات، وربات البيوت في المنازل اللواتي ازدادت لديهن الأعباء بين الواجبات المنزلية ومتطلبات الأزواج والأبناء، حيث أشارت الدراسات الحديثة أن 57% من النساء تعرضن للعنف اللفظي والجسدي خلال انتشار جائحة الكورونا. 

ووفقا لما سلف ذكره فنشأ الصراع النفسي بين حاجتين أساسيتين، أولاهما الحاجة إلى إشباع الحاجة الفسيولوجية من طعام وملبس مقابل إغلاق المتاجر والأسواق، والحاجة الثانية الحرية والاستقلالية ورفض القيد والتقيد في ظل الحجر الصحي المنزلي الوقائي.

ولابد من الإشارة في هذا المقال أن الانسان اجتماعي بطبعه أي هو دائم التواصل مع الآخرين ومع محيطه البيئي، وأن فرض الحجر الصحي المنزلي الوقائي، هو ليس بمنع لممارسة سلوكيات الاتصال والتواصل وإنما هو حفاظا على السلامة الخاصة والعامة.

مع العلم أن البعد الاجتماعي قد مارسه الإنسان منذ أن ظهر اختراع التكنولوجيا، وأصبح يقوم بواجباته الاجتماعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة المحمولة، ولاسيما في بيته فهو يقضي ساعات طويلة مستخدما هاتفه دون الاحتكاك بالآخرين.

كما ازدادت الانفعالات الشديدة وظهور سلوك الغضب والاكراه لدى أولياء الأمور من الطلبة باتباع نموذج التعلم عن بعد حيث يتطلب الوقت والجهد، فاشتكى الأولياء وخاصة أمهات تلاميذ الصفوف التعليمية الأساسية على أنهن غير قادرات على متابعة الواجبات الدراسية المطلوبة من التلاميذ، وختم المنهاج لتعدد وكثرة المواد التعليمية.

ولا يختلف المحاضرون عن طلبة الجامعات الذين لم يعتادوا على تطبيق آلية التعلم عن بعد من قبل، فاشتكى البعض من صعوبة تطبيق التكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى عوامل دخيلة أخرى كانقطاع التيار الكهربائي، والشبكة العنكبوتية.

ولما للنفس والجسم من علاقة وتأثير متبادل، فإن الحالة النفسية للفرد ترتبط ارتباطا وثيقا بجهاز المناعة، فحينما تسوء الحالة النفسية يتأثر جهاز المناعة سلبا، فالغضب والانفعالات الشديدة، والقلق، والخوف، والمشاعر الحزينة، تؤثر في افرازات الجسم الهرمونية وخاصة هرمون الكورتيزون الذي بدوره يؤدي إلى انخفاض في نسب إفرازات مكونات الجهاز المناعي، وعدد كبير من الخلايا الليمفاوية، وحدوث الأمراض السيكوماتية (النفسية- الجسدية) كالصداع النصفي وأوجاع المعدة. 

ونختم هذا المقال بمجموعة من التوصيات لاجتياز جائحة كوفيد 19 (الكورونا) وهي:

1. عدم قضاء ساعات طويلة أمام وسائل الإعلام، وإنما باعتدال لمعرفة ما يستجد.

2. اللجوء إلى العبادات حيث تغرس الطمأنينة في النفوس.

3. ممارسة تمارين رياضية تؤدي الى الاسترخاء النفسي والجسدي. 

4. القيام بأفعال منزلية لم يكن لدينا الوقت لإنجازها من قبل.

5. اعتبار الحجر الصحي المنزلي اجازة لقضاء وقت أطول مع العائلة.

6. توطيد العلاقة الأسرية بالمشاركة بعمل جماعي يرفه عن الجميع.

7. ممارسة الهويات ومطالعة ما نحب.

8. التزود بالطاقة الايجابية بأن جائحة كوفيد19 أزمة عابرة ستنتهي وتزول.

د. أنوار سعيد أبوهنود

مدير مركز الارشاد النفسي والاختبارات النفسية