قطاع غزة: الظلم المتواصل والعدوان المتكرر
15 أكتوبر 2023
بقلم/ د. محمد شتيه - جامعة الاستقلال
منذ سبعة عشر عاما تفرض دولة الاحتلال حصارا خانقا على قطاع غزة من خلال السيطرة على المعابر ومنع دخول الوقود والبضائع والمواد الغذائية والمستلزمات الطبية إلا بالكمية والنوعية التي تحددها دولة الاحتلال، حيث تفاقم مستوى الفقر والبطالة، اضافة إلى تراجع القدرة على تقديم الخدمة الطبية؛ مما تسبب في موت الكثر من المرضى لعدم توفر العلاج وعدم السماح لهم بالسفر خارج قطاع غزة. 
ولم تتوقف دولة الاحتلال عند هذا الحد، بل قامت بارتكاب جريمة العدوان أربع مرات  متتالية على قطاع غزة المحاصر المزدحم بالسكان، فهذه الجريمة هي أم الجرائم، نجم عنها جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، ضد المدنيين وخاصة النساء والأطفال، والطواقم الطبية، والصحفيين، وتدمير الأعيان المدنية، واستخدام للأسلحة المحرمة دوليا وغيرها من الجرائم التي لا يستوعبها عقل بشري ولا يتقبلها ضمير انساني.
هذا القطاع المحاصر الذي يقطنه مليونين ومئتين ألف نسمة، في مساحة لا تتجاوز365كم²، حتى تم تصنيفه البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم، أصبح شاهدا على ظلم المجتمع الدولي، وازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، فعلى رؤوس الأشهاد وبمباركة أمريكية غربية، أعلن قادة الاحتلال في السابع من أكتوبر 2023 الحرب على قطاع غزة، متذرعين بحق دولة الاحتلال بالدفاع عن نفسها.
آلة القتل الصهيونية المتعطشة للدماء ما زالت مستمرة لليوم الثامن على التوالي في سحق جماجم المدنيين العزل، وجلهم من الأطفال والنساء، وقتل الصحفيين، والطواقم الطبية، وتدمير المنازل على رؤوس ساكنيها دون رحمة أو تأنيب ضمير، وفي ذات الوقت يسوق قادة الاحتلال الأكاذيب لقادة الدول الداعمة لهم، لاستدرار عطفهم ودعمهم من الأسلحة الفتاكة التي تدخل الميدان العسكري لأول مرة ضد المدنيين في قطاع غزة!
كما وتخلت بعض وسائل الاعلام الغربية عن مبادئ العمل الصحفي كصحيفة التايمز والاندبندنت البريطانية والسي إن إن الأمريكية، وانحازت إلى دولة الاحتلال في أكاذيبها، بنشر صور الأطفال الفلسطينيين الذين مزقت الطائرات الحربية الإسرائيلية اجسادهم بأنهم أطفال اسرائيليين؟!
بموجب القانون الدولي الانساني وخاصة المادة(55/1) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام1949 يقع على عاتق دولة الاحتلال الإسرائيلي توفير المؤن والإمدادات الطبية لسكان قطاع غزة المحتل.
 كما يتعين على دولة الاحتلال الاسرائيلي بموجب المادة(59/1) من اتفاقية جنيف الرابعة عدم وضع العراقيل أمام تزويد المدنيين بالمؤمن والإمدادات اللازمة لاستمرار حياتهم في جميع أجزاء الإقليم المحتل.
وعن قيام دولة الاحتلال بمهاجمة المدنيين وقتل الآلاف منهم، واصابة الآلاف بجروح وعاهات مستديمة، تحظر المادة(32) من اتفاقية جنيف الرابعة ، والمادة(57/2/أ) من البروتوكول الاضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977 هذا القتل وغيره من ضروب التعذيب والاعتداء على السلامة البدنية.
كما يحظر القانون الدولي الإنساني المادة(51) الفقرة(2) من البروتوكول الاضافي الأول في المادة(51/2) الهجوم على المدنيين، وفي حال ثار الشك حول ما إذا كان شخص ما مدنيا أم غير مدني فإن المادة(50) من البروتوكول المذكور تؤكد اعتبار ذلك الشخص مدنيا، وأنه لا يجرد السكان المدنيون من صفتهم المدنية وجود أفراد بينهم يحملون صفة المقاتلين.
وهذا يُلقي على عاتق دولة الاحتلال الاسرائيلي بموجب المادة(51/4) من البروتوكول المذكور حظر الهجمات العشوائية، أي تلك التي لا توجه إلى هدف عسكري محدد،  أو تلك التي تستخدم فيها الطائرات لقصف احياء سكنية بأكملها.
ولا شك ان هذه الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني من جانب قادة وجنود دولة الاحتلال الإسرائيلي تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بمواجب المواد(7، ???? من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تفرض على المدعي العام لهذه المحكمة المُضي قدما في التحقيق وملاحقة  قادة الاحتلال الإسرائيلي وجنوده بمواجب المادة(13) من نظام المحكمة كون فلسطين دولة عضو، فالتحقيق في هذه الجرائم اختبار للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية التي عقدنا عليها آمال كبيرة منذ نشأتها.
كما يتعين على جامعة الدول العربية التحرك الفوري من خلال اصدار قرار ملزم للدول الأعضاء، ليس بإعلان الحرب على دولة الاحتلال، فنحن لا نريد للجيوش العربية التفريط في طائراتها ومدفعياتها واسلحتها المتقدمة، بل نريد قرارا سلميا يتفق مع أحكام القانون الدولي، بالمقاطعة السياسية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، بطرد السفراء الإسرائيليين من دولنا العربية، وسحب السفراء العرب من دولة الاحتلال، ومنع الطائرات المحملة بالأسلحة، والمتجه إلى دولة الاحتلال من المرور في اجوائنا العربية، أو الهبوط في مطاراتنا العربية، وفرض حصار جوي وبري على دولة الاحتلال حتى اقرارها بالحقوق الفردية والجماعية للشعب الفلسطيني، فدولة الاحتلال الإسرائيلي ليست في حالة دفاع شرعي، حق الدفاع مقرر للشعب الفلسطيني المحتل، ولا دفاع ضد هذا الدفاع، وأي قوة في مواجهة دفاع الشعب الفلسطيني المحتل هي جريمة دولية بموجب القانون الجنائي الدولي.
كما يتعين على الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تحل محل مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدوليين، باستعمال قرار الاتحاد من أجل السلام، لأن مجلس الأمن أصبح أداة في يد أمريكية لحماية مصالحها، ودعم ربيبتها إسرائيل،  فلن يصدر عن هذا المجلس أي قرار لوقف شلال الدماء في فلسطين، فما يجري من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني في قطاع غزة، يشكل تهديدا صارخا للسلم والأمن الدوليين في كل أرجاء المعمورة.
لتكون جهود المجتمع الدولي بمكوناته من أجل العدالة والإنسانية، بوقف الحصار والعدوان وانهاء الاحتلال والظلم والاستبداد للشعب الفلسطيني؛ حتى يعم السلام في العالم، وتحيا الشعوب في أمن وطمأنينة، فالظلم أينما كان يهدد العدل في كل مكان.